بسم الله الرحمن الرحيم
يعيش المرء في الدنيا ناسياً متناسياً بأن وقته قد ينتهي في هذه الحياة في أي لحظه. فحين يموت المرء ينتقل من هذه الحياة الفانية " الدنيا " إلى بداية الحياة الأخروية في القبر وهي " البرزخ ".
وكلنا شاربون كأس الموت لقول الله تعالى : { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [الرحمن :26-27] وقوله جل جلاله:{ كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران:185] فلا منجى من الموت ولا مهرب.
تخيل البرزخ الذي هو الحاجز بين الدنيا والآخره، ينعم فيه المؤمن ويعذب فيها الكافر والعاصي والظالم المنافق ويتمنى ساعتها أن يرجع للحياة الدنيا تارة كي يعبد الله حق عبادته ولكن هيهات، كما قال الله تعالى: { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون }[المؤمنون:99-100].
فهل أعددنا أنفسنا لتقبل هذه الحياة ؟
كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني
القبر .. اللحد .. الحفرة الظلماء .. الديدان .. التمرغ في الثرى .. الوحدة ..
لو تفكرنا واعتبرنا في هذا المكان الموحش لما هنئنا في الدنيا وسعدنا بالعيش فيها !
عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعظ يوماً أصحابه في حال أهل القبور ، فقال : إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
فيا اخوتي انشغلنا عن فعل الطاعات واكتفينا بالفروض اليومية فقط بتناقص أو بتكاسلٍ أحياناً، وضيعنا اوقاتنا بالاستلذاذ بالدنيا وما فيها، فهل تبنى القبور هكذا ؟ غفلنا عن الموت ولم نتفكر به في اذهاننا! فلو تفكرنا بالقبر لأتت الأسئلة تباعاً وأردنا الجواب لما قد يكون عليه القبر مثلاً وما قد يكون حال الميت بعد الدفن وكيف يعذب وهل هناك نعيم وراحه !؟
(وهذا ما سنعرفه ان شاءالله في اليوم القادم)
فريق معا نحو الجنان